2009-04-13

سنجر


لم استغرب من قراءة الخبر المنشور اليوم في جريدة الوطن عن خروج مئات من المواطنين يحملون في اياديهم مكنات خياطة ماركة " سنجر " ! انه ليس اليوم العالمي للنبي ادريس الذي كان يعمل خياط افراح ، بل السبب هو ببساطة :

انتشار شائعات بأن هذه المكنات تحتوي على الزئبق الاحمر الثمين!



وكما تعرفون ان الزئبق الاحمر يستخدم في السحر و استحضار الجان كما هو متوارث في ثقافتنا المتخلفة ، ويقولون انه يستخدم في التفاعلات النووية ، اما المكنات فهي تستخدم في الخياطة ، واحياناً كاداة تعذيب حيث قد وضعت اصبعي السبابة عندما كنت صغيراً تحت الابرة و ضغطت على ( دواسة الوقود ) السوداء فخرمت ظفري الصغير !


آه يامكنة الخياطة! لازالت رائحة زيت المكينة في علبته ذات اللون الاحمر تداعب خيالي! الموضوع انطلق قبل 10 ايام حينما نشرت ( الوطن ) خبراً عن " شائعة " تقول ان هناك مشتري للمكنات باسعار خيالية في شمال المملكة ولكن بشروط:

· ان تكون المكنة من الموديلات القديمة جداً
· ان تكون صناعة اصلية من بلد المنشأ
· ان تختفي ابراج الجوال عند تقريب المحمول من ابرة الخياطة !

كما ترون مثل اوصاف بقرة بني اسرائيل ، كلما ندرت المواصفات وتعقدت ، كلما زادت المصداقية! و كما تعرفون ان الحدود الشمالية ابراج الجوال فيها ضعيفة اصلاً ، كيف فات ذلك على هذه القطعان؟ المهم ان هناك من يطلب هذه المكنات بأضعاف مضاعفة ، و الظاهر انه يملك مستودعاً به مخزون من المكنات القديمة وحاب يصرفها ، فمن لا يملك ماكنة من الاساس ، فسيضطر الى شراءها بمبلغ يفوق الالف ريال من هذا التاجر " قيمتها الحقيقة اقل من 200 ريال " طمعاً في اعادة بيعها بمائة الف!!

و هكذا وبعد تحذير جريدة " الوطن " التي ارفقت في الخبر رد مدير عام الشرق الاوسط لمكنة الخياطة و وكيل المكنة في السعودية بأن هناك من ينصب عليكم يا بقر ، ومكناتنا لا ينبغي ان تتجاوز 30 دولاراً ولايوجد بها اي مواد مشعة او بطيخ! الا ان الشعب السعودي الغلبان خرج في بيع هذه المكنات الاثرية طمعاً بالثراء متجاهلاً مدير الشركة الذي لايريد مالاً ولا شكورا!!








لا استغرب كما قلت سابقاً هذا التصرف ، فالشعب السعودي والمقيمين في السعودية لا توجد لهم مؤسسات مدنية توجههم ، او ثقافة ترشدهم الى التصرف السديد ، فادنى اشاعة ممكن ان تجعلهم يركضون حتى الى خارج المملكة طمعاً بالثراء ، كما حصل عند طرح اكتتابات في الاسهم القطرية ، حيث شهدت قطر وجود المئات من الاجساد النائمة في الحدائق الغناء والشوارع بعد ان شغلت جميع الفنادق 100% ، وتم تجميعهم داخل استاد رياضي تلافياً للزحام ، وادى ذلك الى عمليات نصب واستغلال لهذه القطعان البرية حيث بيع رقم السرا في البنك بالف ريال اضافةً الى ظهور معقبين مجهولي الهوية عرضوا على قطعان البقر اخذ جوازات سفرهم لأنهاء معاملتهم في البنك دون الحاجة الى مراجعة البنك مقابل مبلغ مالي ، وذهبت الفلوس والجوازات الى غير رجعة!





















هذا مايسمى بشائعات الامل ، فالانسان يتمنى ان يحصل على اخبار سعيدة ، ويسعى جاهداً باللحاق بالقطيع في اي تصرف يتخذونه ، من باب الموت مع الجماعة رحمة! وهذا كما ترون لايعني اتخاذ القرار الصحيح بل اتباع ما يراه القطيع ، الذي بدوره يتبع شخص واحد بالعادة تكون له المصلحة في توجيه القطيع لتصرف معين!




تماماً كما يحدث في الدين ، بنظرة بسيطة تدرك ان الدين في بداياته يقوم بتعريف المنتسب على اهم المميزات التي سيحصل عليها وعادةً ماتكون متوافقة مع العصر الذي هو فيه ، في بدايات الدعوة كانت النساء و السبايا ، والحور العين والجنة ، والاموال والغنائم ، و المساواة بين الضعفاء والاقوياء، هكذا دخلت الافواج المستضعفة في دين يوفر لها القوة والمساواة ، حتى لو كانت على حساب غزو القبائل الكافرة وقطع الطرق عن قوافلهم واغتصاب نساء السادة الذين نشفوا ريقهم في وقت مضى!




حالياً اختلف الوضع، فلم تعد مثاليات الدين تنفع مع الجيل الجديد ، حيث يجب عليك الحصول على المال ، متجاهلاً محاضرات الدعاة في الزهد والتقشف الذين " عكس مايدعون اليه " يرفلون في ثياب الدعة والثراء ويعيشون في افخم القصور وبين ثمانية فخوذ بيضاء ينامون! فازدهرت الاسهم السعودية لدرجة ان شركة مواشي خاسرة لثلاث سنوات متتالية يفوق سهمها قيمة سهم مايكروسوفت او جنرال موتورز! وبتوجيه من هذا وذاك ، انتشرت الشائعات بأن هذا السوق اقوى سوق اسهم في الكون ، حتى لم يبقى للضعفاء من ذهب واموال الا ودخلوا به في السوق ، فحلت النكسة بهم وسرقت كل اموالهم.. مثلما سرقت عقولهم !




متى ماكان الانسان ضعيفاً يؤمن بالغيبيات فسيسهل اقتياده ، والدليل على ذلك مكنات سنجر الزئبقية ، الا انه عندي تحليل لهذه الحادثة وهو : ان هناك تاجر ملتحي متقي ربه حاب يُصرف بضاعته فاطلق الاشاعة كي يبيع مالديه من مكنات بضعف سعرها لأناس كي يعيدوا بيعها لمشتري وهمي يريد اتلاف الزئبق الاحمر كي نتقي اعمال السحر والشعوذة!



او ربما يريد من النساء الرجوع الى عصر الجدات الخائطات التائبات القارات في بيوتهن ، والابتعاد عن محلات الخياطة النسائية التي اصبحت بفضلٍ من الله اماكن للمواعدة والغزل في هذا البلد العجيب! ولا بأس باخذ بعضاً من اموالهم من باب العاملون عليها.. فهم سيوفرون في النهاية قيمة محل الخياطة.. اليس كذلك؟!





















ليست هناك تعليقات: